الأحد، 17 مارس 2019

الظلم مؤذن بخراب العمران ... و العدل أساس العمران البشري..

قول ابن خلدون في المقدمة و بالتحديد في الفصل الثالث و الأربعون الذي عنوانه « في أن الظلم مؤذن بخراب العمران » : « جباة الأموال بغير حقها ظلمة و المعتدون عليها ظلمة و المنتهبون لها ظلمة و المانعون لحقوق الناس ظلمة و خصاب الأملاك على العموم ظلمة و وبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران الذي هو مادتها لإذهابه الآمال من أهله و اعلم أن هذه هي الحكمة المقصودة للشارع في تحريم الظلم وهو ما ينشا عنه من فساد العمران و خرابه و ذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري وهي الحكمة العامة المراعية للشرع في جميع مقاصده الضرورية الخمسة من حفظ الدين و النفس و العقل و النسل و المال...» .
و من خلال هذا القول يقدم لنا العلامة ابن خلدون درسا في أسباب خراب الدول و أسباب اعمارها ، فالظلم بأشكاله المختلفة من نهب للأموال و تطاول على عامة الناس و مصادرة حقوقهم و أملاكهم ، سببا رئيسيا لتهاوي اقتصاديات الدول. كما أن التخلي عن شرع الله هو شكل من أشكال الظلم للبشرية و عائق من عوائق العدل فالملك لا يتم عزه إلا بالشريعة و القيام لله بطاعته و التصرف تحت أمره و نهيه. و في ذلك حكمة لا متناهية للأحزاب التي تسعى اليوم إلى الوصول إلى السلطة بأي طريقة كانت و تتبنى قضايا العدل و مكافحة الظلم في برامجها دون الحديث عن أسلمة المؤسسات المالية و الإدارات العمومية فالعدل لا يوجد إلا في شرع الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم. فلا تنفع ازدواجية الخطاب التي تدعي الإصلاح بالشرع و تستهوي مشاعر المسلمين من ناحية و تعطي الناس الحق في ممارسة ما حرم الله من ناحية أخرى باسم المدنية. و سنحاول توضيح الرابط بين المدني و الديني من خلال فكر ابن خلدون العلامة الزيتوني.
فالإسلام من خلال فكر ابن خلدون لا يتعارض مع مفهوم الدولة المدنية التي تكون فيها السيادة للقانون و الإرادة للشعب ، و في هذا الإطار يقول ابن خلدون رحمه الله : « فإذا كانت هذه القوانين مفروضة من العقلاء و أكابر الدولة و بصرائها كانت سياسة عقلية، و إذا كانت مفروضة من الله بشارع يقررها و يشرعها كانت سياسة دينية نافعة في الحياة الدنيا و الآخرة» و بذلك يكون قد فرق بين السياسة الدينية و السياسة العقلية الأشبه بما يسمى اليوم الدولة المدنية لكن دون ازدواجية الخطاب أو تغليب شكل من أشكال الدولة على آخر. و يقدم رحمه الله مفهومه الخاص للملك و السلطة و ذلك بالتفريق بين الدولة المستبدة الدكتاتورية و الدولة المدنية التي تسودها الحريات العامة و حقوق المواطنة دون تجاوز لحدود الله وشريعته فيقول :« إن الملك الطبيعي هو حمل الكافة على مقتضى الغرض و الشهوة، و السياسي هو حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية و الدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين و سياسة الدنيا به» و لكن نلاحظ هنا أن ابن خلدون يقدم لنا أيضا شروطا لبناء دولة إسلامية تقوم على حمل الناس على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الدنيوية و الأخروية ، وفي ذلك تأكيد مرة أخرى على إمكانية تأسيس دولة مدنية تكون فيها الشريعة مصدرا أساسيا للقوانين و الحريات دون فصل بين الدين و الدولة . و الحرية في رأيي هي فعل كل ما تسمح به الشريعة الإسلامية. و نحن اليوم في تونس نحتاج إلى بناء دولة على هذا النمط تقوم على إقامة العدل في القضاء و العمل لتصلح بذلك أحوال الرعية و تأخذ الناس حقوقهم و تتحسن المعيشة و يؤدى حق الطاعة... و يعم الرفق بالرعية و ينبذ العنف و التطرف و يقع تجريم الاعتداء سواءا بالعنف اللفظي أو المادي ... و تلك المبادئ من مقاصد الشريعة الإسلامية . و يتحول في هذه الدولة شعار « العدل أساس العمران البشري» إلى حقيقة واقعة ، وهو شعار رفعه حزب العدل و التنمية التونسي خلال حملته الإنتخابية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق