الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

حياة الدكتور : جيفري لانج قبل الإسلام وبعده - جديرة بالقراءة



أستاذ الرياضيات في جامعة كنساس في أمريكا، ولد عام 1954 ، اعتنق الإسلام في أواخر الثمانينيات، قبل ذلك،نشأ كاثوليكياً ثم تحول إلي الإلحاد وعمره 18 سنة لأنه لم يجد الجواب الشافي علي أسئلته العديدة التي كان يطرحها حول دينه ، ورغم تخرجه وحصوله على الدكتوراه في الرياضيات ، إلا إنه ظل على إلحاده .
و ساق له الله في المحاضرة الأولي له - والتي ألقاها في إحدى جامعات سان فرانسيسكو - بين طلابه شاباً مسلماً ، تعرف عليه لانج ونشأت بينه وبين أسرة الطالب صداقة عميقة ، حتى حصل علي نسخة من القرآن الكريم من هذه الأسرة المسلمة .
لم يكن يفكر أو يبحث عن دين ولكنه بدأ فى قراءة القرآن الكريم بروح رافضة له . وفي ذلك يقول : ” أنت لا تستطيع قراءة القرآن ببساطة ، إلا إذا كنت جاداً فى قراءته . إما أن تكون مستسلماً له ، أو أن تكون محارباً له .
القرآن يرد بقوة ، يجيب بشكل مباشر ، بشكل شخصى ، يناقش ، ينتقد ، يضع العار عليك ، يتحدى . من البداية يثير معركة ، وأنت فى الجانب الآخر منها ” . لذلك وجد نفسه فى معركة مثيرة ” وجدت نفسى فى الجانب الضعيف ، فمؤلف القرآن يعرفنى أكثر من معرفتى لنفسى “ .
انبهر لانج بالقرآن الكريم وفي ذلك يقول: قد يستطيع الرسام جعل عيني شخص ما في بورتريه تبدو و كأنها تنظر إليك أينما ذهبت ، ولكن من ذا الذي يستطيع كتابة نص ثابت يرد على تساؤلاتك اليومية أياً كانت.
في كل يوم ، كنت أكون العديد من التساؤلات حول موضوعات مختلفة ، وبطريقة لا أعرفها ، كنت أكتشف الإجابة في اليوم التالي بين السطور ، لقد بدا وكأن مؤلف هذا الكتاب يقرأ أفكاري ويكتب الإجابة المناسبة بحيث أجدها عند قراءتي التالية . لقد قابلت نفسي بين الصفحات لقد كان القرآن دائماً يسبق تفكيره ، يزيل الحواجز التي بناها أعواماً كثيرة .
ثم يكمل: إلى هؤلاء الذين اعتنقوا الإسلام ، الدليل الأعظم إلى الله ، الصمد ، القيوم ، المعين ، الله الذى من حبه للبشر أنزل القرآن هدى لهم
وكمحيط واسع عميق ، يغريك بالنزول فيه ، ومن أعمق إلى أعمق فى أمواجه الرائعة ، تغرق فيها . وبدلاً من أن تغرق فى ظلمات هذه
الأمواج ، إذا بك تغرق فى محيط من الوحى والرحمة .. كلما قرأت القرآن الكريم ، أو صليت صلاة الإسلام ، يفتح فى قلبى باباً كان مغلقاً ، وأشعر بأنى غمرت فى رقة عارمة . الحب أصبح أكثر ثبوتاً من الأرض التى تحت قدمى ؛ إنها القوة التى أعادت إلىّ نفسى ، وجعلتنى أشعر بالحب ، لقد أصبحت سعيداً بما فيه الكفاية ، أن وجدت الإيمان بدين أعقله . وما كنت أتوقع أن يلمس هذا الدين شغاف قلبى .
وعندما سئل كيف ألف قراءة القرآن الكريم باللغة العربية وهي غريبة تماماً بالنسبة له ، قال: ولماذا يرتاح الرضيع لصوت أمه ، رغم أنه لا يفهمه ، إن القرآن يعطيني الراحة والقوة في الأوقات الصعبة .
وتربط الدكتور جفري لانج صداقة قوية بالداعية الإسلامي الأمريكي جيرالد ديركس الذي يمكنكم قراءة قصة إسلامه في الفصل الأول . بعد اعتناق الإسلام ألف جفري كتابان ( صراع من أجل الإيمان Struggling to surrender ) ، ( حتى الملائكة تسألEven Angels Ask ) وبصدد تأليف الثالث.
وسنترككم مع جزء من كتابه الثاني ، يتراوح بين لحظات روحانية غامرة وبين أفكار فلسفية عميقة ، ترجمته إحدى الصحف السعودية.
يقول المؤلف: في اليوم الذي اعتنقت فيه الإسلام ، قدم إليَّ إمام المسجد كتيباً يشرح كيفية أداء الصلاة . غير أني فوجئت بما رأيته
من قلق الطلاب المسلمين ، فقد ألحوا عليَّ بعبارات مثل: ( خذ راحتك ) ( لا تضغط على نفسك كثيراً ) ( من الأفضل أن تأخذ وقتك )
( ببطء.. شيئاً ، فشيئاً ) . وتساءلت في نفسي ( هل الصلاة صعبة إلى هذا الحد ؟ ).لكني تجاهلت نصائح الطلاب ، فقررت أن أبدأ فوراً بأداء الصلوات الخمس في أوقاتها. وفي تلك الليلة ، أمضيت وقتاً طويلاً جالساً على الأريكة في غرفتي الصغيرة بإضاءتها الخافتة ، حيث كنت أدرس حركات الصلاة وأكررها ، وكذلك الآيات القرآنية التي سأتلوها والأدعية الواجب قراءتها في الصلاة . وبما أن معظم ما كنت سأتلوه كان باللغة العربية ، فقد لزمني حفظ النصوص بلفظها العربي وبمعانيها باللغة الإنجليزية . وتفحصت الكتيب ساعات عدة ، قبل أن أجد في نفسي الثقة الكافية لتجربة الصلاة الأولى ، وكان الوقت قد قارب منتصف الليل، لذلك قررت أن أصلي صلاة العشاء . ودخلت الحمام ووضعت الكتيب على طرف المغسلة مفتوحاً على الصفحة التي تشرح الوضوء . وتتبعت التعليمات الواردة فيه خطوة خطوة ، بتأن ودقة ، مثل طاهٍ يجرب وصفة لأول مرة في المطبخ . وعندما انتهيت من الوضوء ، أغلقت الصنبور وعدت إلى الغرفة والماء يقطر من أطرافي . إذ تقول تعليمات الكتيب بأنه من المستحب ألا يجفف المتوضئ نفسه بعد الوضوء .
ووقفت في منتصف الغرفة ، متوجهاً إلى ما كنت أحسبه اتجاه القبلة . نظرت إلى الخلف لأتأكد من أنني أغلقت باب شقتي ، ثم توجهت إلى الأمام ، واعتدلت في وقفتي ، وأخذت نفساً عميقاً ، ثم رفعت يدي ، وبراحتين مفتوحتين ملامساً شحمتي الأذنين بإبهامي ثم بعد ذلك ، قلت بصوت خافت ( الله أكبر ) . كنت آمل ألا يسمعني أحد . فقد كنت أشعر بشيء من الانفعال. إذ لم أستطع التخلص من قلقي من كون أحد يتجسس علي.
وفجأة أدركت أنني تركت الستائر مفتوحة. وتساءلت: ماذا لو رآني أحد الجيران ؟
تركت ما كنت فيه ، وتوجهت إلى النافذة ، ثم جلت بنظري في الخارج لأتأكد من عدم وجود أحد. وعندما رأيت الباحة الخلفية
خالية ، أحسست بالارتياح. فأغلقت الستائر ، وعدت إلى منتصف الغرفة.
ومرة أخرى ، توجهت إلى القبلة ، واعتدلت في وقفتي ، ورفعت يدي إلى أن لامس الإبهامان شحمتي أذني ، ثم همست ( الله أكبر ) ، وبصوت خافت لا يكاد يسمع ، قرأت فاتحة الكتاب ببطء وتلعثم ، ثم أتبعتها بسورة قصيرة باللغة العربية ، وإن كنت أظن أن أي عربي لم يكن ليفهم شيئاً لو سمع تلاوتي تلك الليلة . ثم بعد ذلك تلفظت بالتكبير مرة أخرى بصوت خافت وانحنيت راكعاً حتى صار ظهري متعامداً مع ساقي واضعاً كفي على ركبتي وشعرت بالإحراج ، إذ لم أنحن لأحد في حياتي . ولذلك فقد سررت لأنني وحدي في الغرفة . وبينما كنت ما أزال راكعاً ، كررت عبارة ( سبحان ربي العظيم ) عدة مرات. ثم اعتدلت واقفاً وأنا أقرأ ( سمع الله لمن حمده ) ثم ( ربنا ولك الحمد )…… أحسست بقلبي يخفق بشدة ، وتزايد انفعالي عندما كبرت مرة أخرى بخضوع فقد حان وقت السجود … وتجمدت في مكاني ، بينما كنت أحدق في البقعة التي أمامي ، حيث كان علي أن أهوي إليها على أطرافي
الأربعة وأضع وجهي على الأرض . لم أستطع أن أفعل ذلك ، لم أستطع أن أنزل بنفسي إلى الأرض ، لم أستطع أن أذل نفسي بوضع أنفي على الأرض ، شأن العبد الذي يتذلل أمام سيده… لقد خيل لي أن ساقي مقيدتان لا تقدران على الانثناء …. لقد أحسست بكثير من العار والخزي ، وتخيلت ضحكات
أصدقائي ومعارفي وقهقهاتهم ، وهم يراقبونني وأنا أجعل من نفسي مغفلاً أمامهم ، وتخيلت كم سأكون مثيراً للشفقة والسخرية بينهم وكدت أسمعهم يقولون ( مسكين جفري فقد أصابه العرب بمس في سان فرانسيسكو ، أليس كذلك؟ ).
وأخذت أدعو ( أرجوك ، أرجوك ، أعني على هذا ) . أخذت نفساً عميقاً ، وأرغمت نفسي على النزول… الآن صرت على أربعتي ، ثم
ترددت لحظات قليلة ، وبعد ذلك ضغط وجهي على السجادة… أفرغت ذهني من كل الأفكار ، وتلفظت ثلاث مرات بعبارة ( سبحان ربي الأعلى ) ، ( الله أكبر ) قلتها ورفعت من السجود جالساً على عقبي وأبقيت ذهني فارغاً رافضاً السماح لأي شيء أن يصرف انتباهي .
( الله أكبر ) ووضعت وجهي على الأرض مرة أخرى . وبينما كان أنفي يلامس الأرض ، رحت أكرر عبارة ( سبحان ربي الأعلى ) بصورة آلية .
فقد كنت مصمماً على إنهاء هذا الأمر مهما كلفني ذلك. ( الله أكبر ) وانتصبت واقفاً ، فيما قلت لنفسي : لا تزال هناك ثلاث جولات أمامي .
وصارعت عواطفي وكبريائي في ما تبقى لي من الصلاة . لكن الأمر صار أهون في كل شوط . حتى إنني كنت في سكينة شبه كاملة في آخر سجدة . ثم قرأت التشهد في الجلوس الأخير ، وأخيراً سلمت عن يميني وشمالي .
وبينما بلغ بي الإعياء مبلغه ، بقيت جالسا على الأرض ، وأخذت أراجع المعركة التي مررت بها ، لقد أحسست بالإحراج لأنني عاركت نفسي كل ذلك العراك في سبيل أداء الصلاة إلى آخرها . ودعوت برأس منخفض خجلاً : ( اغفر لي تكبري وغبائي ، فقد أتيت من مكان بعيد ولا يزال أمامي سبيل طويل لأقطعه ) . وفي تلك اللحظة ، شعرت بشيء لم أجربه من قبل ، ولذلك يصعب عليّ وصفه بالكلمات…. فقد اجتاحتني موجة لا أستطيع أن أصفها
إلا بأنها كالبرودة ، وبدا لي أنها تشع من نقطة ما في صدري. وكانت موجة عارمة فوجئت بها في البداية حتى إنني أذكر أنني كنت أرتعش . غير أنها كانت أكثر من مجرد شعور جسدي ، فقد أثرت في عواطفي بطريقة غريبة أيضا . لقد بدا كأن الرحمة قد تجسدت في صورة محسوسة وأخذت تغلفني وتتغلغل فيّ… ثم بدأت بالبكاء من غير أن أعرف السبب ، فقد أخذت الدموع تنهمر على وجهي ، ووجدت نفسي أنتحب بشدة …. وكلما ازداد بكائي
ازداد إحساسي بأن قوة خارقة من اللطف والرحمة تحتضنني . ولم أكن أبكي بدافع من الشعور بالذنب ، رغم أنه يجدر بي ذلك ، ولا بدافع من الخزي أو السرور … لقد بدا كأن سداً قد انفتح مطلقاً عنان مخزون عظيم من الخوف والغضب بداخلي . وبينما أنا أكتب هذه السطور ، لا يسعني إلا أن أتساءل عما لو كانت مغفرة الله عز وجل لا تتضمن مجرد العفو عن الذنوب ، بل وكذلك الشفاء والسكينة أيضاً… ظللت لبعض الوقت جالساً على ركبتي ، منحنياً إلى الأرض ، منتحباً ورأسي بين كفي . وعندما توقفت عن البكاء أخيراً كنت قد بلغت الغاية في الإرهاق . فقد كانت تلك التجربة جارفة وغير مألوفة إلى حد لم يسمح لي حينئذ أن أبحث عن تفسيرات عقلانية .
لها… وقد رأيت حينها أن هذه التجربة أغرب من أن أستطيع إخبار أحد بها .
أما أهم ما أدركته في ذلك الوقت فهو أنني في حاجة ماسة إلى الله وإلى الصلاة ، وقبل أن أقوم من مكاني ، دعوت بهذا الدعاء الأخير :
« اللهم ، إذا تجرأت على الكفر بك مرة أخرى ، فاقتلني قبل ذلك ، خلصني من هذه الحياة… ومن الصعب جداً أن أحيا بكل ما عندي من النواقص والعيوب لكنني لا أستطيع أن أعيش يوماً واحداً آخر وأنا أنكر وجودك » “.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق